6-اختلاف الفقهاء في طرد العلة دليل على فسادها وبطلانها "فقد طرد الشافعي علة الأكل في الربا، ومنع أوب حنيفة ومالك من ذلك، وطرد أوب حنيفة علة الوزن والكيل، ومنع مالك والشافعي من ذلك، وطرد مالك علة الادخار والأكل ومنع أبو حنيفة الشافعي من ذلك"(7).
ولعل الناظر إلى هذا التدافع بين متبني القياس ونفاته يدرك أن الفقيه الظاهرين إما نفى التعليل لإثبات الأغراض التالية:
أولا: الحفاظ على الظاهر: لأن التعليل والظاهر لا ينسجمان، فالأول يقصد إلى البحث في المعنى المقصدي، بينما الثاني يبقى مع اللفظ "أصحاب الرأي والقياس وحملوا معاني النصوص فوق ما حملها الشارع، وأصحاب الألفاظ الظواهر قصروا معانيها عن مراده، فأولئك قالوا إذا وضعت قطرة من دم في البحر فالقياس أنه ينجس… وهؤلاء قالوا: إذا بال جرة من بول وصبها في الماء لم تنجسه/ وإذا بال في الماء نفسه وأو أدنى شيء نجسه.." (1).
ثانيا: الحفاظ على القطعية: إن الطرق التي تستخرج بها العلل ظنية وذلك كالطرد والتقسيم والسبر والدوران وغيرها من المسالك، بل منها ما هو قطعي كالعلة المستخرجة اعتمادا على النص والإجماع.
ثالثا: الحفاظ على المعتمد(2): قد استدل ابن حزم على بطلان التعليل بقوله تعالى: :لا يسأل عما يفعل وهم يسألون"، ظنا أن التعليل يمس الكمال الإلهي والحق أن التعليل الشرعي ليس فيه ما يدل على هذا الادعاء "فالفارق كبير بين علة النصوص الشرعية وعلة أفعال الله"(3)، والفارق يتسع بين ابن حزم والباجي إذا ما علمنا أن العلة عند الفقيه المالكي ليست إلا عالمة، فانتفى بذلك ما يسمى بنقض الكمال الإلهي "إن القول بالعلامة ناتج عن اتجاه عقائدي عند المتكلمين، فقد أطلق متكلموا الأشاعرة على العلة العلامة حتى يرفعوا عن العلة التأثير اتباعا لما يعتقدونه من أنه "لا فاعل إلا الله" وأنه علة ولا معلول عندهم
في الختام لا يسعني إلا تسجيل الملاحظات التالية:
أولا: إن الاعتراض والاستدلال في هذا المبحث تأسس على:
أ-التأويل: لأنه ليس في القرآن أو السنة ما يدل على القياس فيبقى التأويل هو المصدر الأساس لإثبات أو نفي هذا المبحث، فالباجي وابن حزم اعتمدا هذا المبدأ ولكن اختلفا في استعمالهما له، فابن حزم يظهر من تأويله أنه يغالط(1)، بينما الباجي يؤول في إطار معقول ومشروع.
ب-التناقض: فقد اعتمد ابن حزم على بيان التناقضات المالكية مبحث القياس والتعليل وإن كان الباجي لا يعتمد هذا المبدأ بكثرة(2).
ثانيا: إننا في دراستنا للقياس لم نرد الوقوف على جميع الاستدلالات والاعتراضات ولكن حاولنا إن تكتفي بإعطاء عناوين تجمع هذه الأدلة جميعها والاكتفاء بواحد منها إذا كان هناك ما يجمع بينهما.
ثالثا: إن دراسة ابن حزم للقياس لم تخرج عن ظاهرة النفي والإثبات، فهي إما ناف ينفي وإما مثبت لدعوى وهذا ما جعل مبحث القياس عنده يتسم بالبساطة، وتظهر بساطته لما اعترض على التعليل، والتعليل عند الفقهاء اتخذ طابعا جداليا عميقا واصطلحوا عليه بالقوادح وهذا ما لا نجده عند ابن حزم.
رابعا: إن ابن حزم يقول بالأدلة الواقفة، ولكن ينفي الانتقال والتعدي من الأصل إلى الفرع وهذا يرجع إلى أن جميع النصوص أصول وليس هناك ما يسمى فرعا.
خامسا: إن نفي ابن حزم للقياس والرأي عامة دعته للأخذ بالدليل واستصحاب الحال وأقل ما قيل قصد توسيع أدلته(3).
سادسا: نفيه للتعليل دعاه لنفي كل ماله صلة بالتعليل كالاشتقاق(4).